خالد بن الوليد

خالد بن الوليد
(39 ق.هـ -21هـ)
هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المكي، وكنيته أبو سليمان، أبوه الوليد بن المغيرة المخزومي أحد سادات قريش في الجاهلية، وأمه لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت أم المؤمنين ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
ولد في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية، ونشأ فيها بين قومه بني مخزوم _ ريحانة قريش_ معززاً مكرماً، ولما شبّ كان من أشراف قريش وأحد فرسانها المعدودين.
شهد مع قومه قريش معارك: بدر وأحد، والخندق، ضد المسلمين، واختُلف في وقت إسلامه وهجرته، فقيل سنة سبع بعد الحديبية وخيبر، وقيل في أول سنة ثمان، حيث هاجر مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وهذه أغلب الروايات، وعندما وصلوا إلى المدينة فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم وهجرتهم، وقال: " رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها".
شهد في سنة (8هـ) غزوة مؤتة جندياً من جنودها ثم اختاره المسلمون بعد استشهاد قادتها الثلاثة، قائداً لهم، فأبلى فيها بلاءً حسناً ورتب عودة الجيش إلى المدينة سالمين، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه " سيف الله" وقال: " إن خالداً سيف سلّه الله على المشركين " ومنذ ذلك الحين اشتهر بلقب "سيف الله المسلول ".
وشهد في رمضان من السنة نفسها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وفتح حنين، وكان على مقدمة الجيش مع بني سليم، وفي السنة العاشرة أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر صاحب دومة الجندل، فأسره وأحضره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصالحه على الجزية.
وتجلت بطولة خالد في حروب الردّة ووقعة اليمامة، عندما وجهه أبو بكر الصديق رضي الله عنه سنة 11هـ لقتال المرتدين وعلى رأسهم مسيلمة الكذاب، فكان النصر حليفه.
وفي سنة 12هـ وجهه الخليفة أبو بكر إلى العراق، ففتح الحيرة، ومواقع أخرى في العراق والشام، وأظهر فيهما بطولات فائقة.
وفي سنة 13هـ، وجهه الخليفة أبو بكر أيضاً إلى الشام عوناً لجيوش المسلمين فيها، فشهد عدداً من المواقع في قراقر، وتدمر، ومرج راهط، وبصرى وانتصر فيها وذلك قبل أن يشهد موقعة اليرموك وكان قائدها والمنتصر فيها، ثم فتح دمشق وفحل.
ولاه الخليفة عمر بن الخطاب دمشق بعد فتحها، وكان قد عزله في معركة اليرموك وولى أبا عبيدة عامر بن الجراح مكانه، لئلا يفتتن المسلمون بخالد وانتصاراته، وأن النصر يأتي من عند الله سبحانه وتعالى.
شهد سنة 15هـ مع أبي عبيدة فتح حمص وقنسرين ومرعش ثم أقام بقية عمره مرابطاً في مدينة حمص.
كان خالد بطلاً مغواراً، وخطيباً فصحياً ذا كفاءة بدنية عالية، وقدرة على تحمل الصعاب، ومثالاً في الانضباط وحسن الطاعة، أثنى عليه ولاة الأمر، وأعجبوا ببطولته وشجاعته، وصفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله:" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد".
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 18 حديثاً، وروى عنه عبد الله بن عباس، وقيس بن حازم، والمقدام بن معدي كرب، وغيرهم.
ولما حضرته الوفاة، قال: "لقد شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسمي موضع شبر، إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء". وروي أنه حبس فرسه وسلاحه في سبيل الله.
وكانت وفاته رضي الله عنه سنة 21هـ وقيل سنة 22هـ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتوفي في حمص بالشام، وقيل في المدينة، وأغلب الروايات أنه توفي بحمص ومدفون بها وقبره فيها مشهور.
شذرات من حياة خالد بن الوليد
رضي الله عنه
ان أمره لعجيب..!!هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام..!!ألا فلنأت على قصته من البداية..ولكن أية بداية..؟؟انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا.. ولو استطاع لنحّى عمره وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين، وأيام..فلنبدأ معه اذنمن حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن، وكلتا يديه يمي، فنفجّرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد عظيم في سبيل الحق، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات..لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا، وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين، فقال:" والله لقد استقام المنسم....وان الرجل لرسول..فحتى متى..؟؟أذهب والله، فأسلم"..ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين:".. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم،قلنا: وبك..قال: أين مسيركم؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان..فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق..فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير..وبايعت رسول الله وقلت: استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله..فقال: ان الاسلام يجبّ ما كان قبله..قلت: يا رسول الله على ذلك..فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك..وتقدّم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله"...أرأيتم قوله للرسول:" استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله"..؟؟ان الذي يضع هذه العبارة بصره، وبصيرته، سيهتدي الى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام..وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها-..أما الآن، فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة الخيل فيها، لنرى داهية العرب كافة في دنيا الكرّ والفرّ، يعطي لآلهة أبائه وأمجاد قومه ظهره، ويستقبل مع الرسول والمسلمين عالما جديدا، كتب الله له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة التوحيد..مع خالد اذن وقد أسلم، لنرى من أمره عجبا..!!!!أتذكرون أنباء الثلاثة شهداؤ أبطال معركة مؤتة..؟؟لقد كانوا زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة..لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام.. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير..وتذطرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال:" أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا..ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا". كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة، ادّخرناها لمكانها على هذه الصفحات..هذه البقيّة هي:" ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه".فمن كان هذا البطل..؟لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش: زيد، وجعفر وعبدالله ابن رواحة، والذين اساشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية..وبعد سقوط آخر القواد شهيدا، سارع الى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا بعثر الفوضى صفوفه..ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد، قائلا له:" خذ اللواء يا أبا سليمان"...ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام..أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير!!هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم:" لا آخذ اللواء، أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..وأجابه ثابت:" خذه، فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته الا لك".ثم نادى في المسلمين: اترضون امرة خالد..؟قالوا: نعم..واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاحب سيقطعه البطل وثبا..في حياة الرسول وبعد مماته، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا...ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم مهيض.. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، ظافر مدمدم..ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا، فتجعل المغلوب غالبا، والغالب مغلوبا..وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام، والخروج ببقيته سالما، أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان..ولكن، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟؟!هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء.. ويقسم جيشه، والقتال دائر، الى مجموعات، ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها.. وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى. بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال...!!وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم..وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..وعلى الجناح الأيمن من الجيش، يجعل الرسول خالدا أميرا..ويدخل خالد مكة، واحدا من قادة الجيش المسلم، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا..وتخطر له ذكريات الطفولة، حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب، حيث ملاهيه الصاخبة..ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تحت تحت روعة المشهد وجلاله..مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول، يعودون الى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا، يعودون اليه على صهوات جسادهم الصاهلة، وتحت رايات الاسلام الخافقة.. وقد تحوّل همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس، الى تكبيرات صادعة رائعة ترجّ مكة رجّا، وتهليلات باهرة ظافرة، يبدو الكون معها، وكأنه كله في عيد...!!كيف تمّت المعجزة..؟أي تفسير لهذا الذي حدث؟لا شيء الا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين:(وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!!ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في اجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه:أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا، واحدا من الذين يحملون راية الاسلام الى مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام..ويظل خالد الى جانب رسول الله، واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه، ونذر له كل حياته.وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة، وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة، مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. ألي سليمان، سيف الله، خالد بن الوليد..!!وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم الفصل، وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة، صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه، ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم. ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة، لا يؤكدها في رأيه الا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان، وبين جيوش الضلال والردة، والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض..لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة، سواء بين قبائل العرب، أم على الحدود، حيث يجثم سلطان الروم والفرس، هذا السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الاسلام الأكبر عليه، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان..ثم في قبائل: بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم..ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين..واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، وواجه الاسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن، كان هناك أبو بكر..!! عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس، وبني مرّة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني، ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له:" الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة، خالد ابن الوليد، سيف من سيوف الله. سلّه الله على الكفار والمنافقين"..ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر الى مصر حتى كانت المعركة الفاصلة..فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب.وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالا..وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد..ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا..والتقى الجيشان:وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ، سير تلك المعركة الهائلة، تأخذك رهبة مضنية، اذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها زجبروتها معارك حروبنا الحديثة، وان تلّفت في نوع السلاح وظروف القتال..ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة..!!وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة..ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة، فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه.. فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة، ثم صاح بصوته المنتصر:" امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ".وامتازوا جميعا..مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم".وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة، اتّقدت مضاء، وامتلأت عزما وروعة..وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا، فتتحوّل سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا معوّق لغاياتها..وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة..وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة..وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدّعيّ الكذاب..وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر، اذ منحهم هذا النصر، وهذا البطل..وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام..امبرطوريتان خرعتان، تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب، بل وتسخرهم، وأكثرهم عرب، لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة، يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله، ويجتثون عفنه وفساده..!هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا.لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه.." بسم الله الرحمن الرحيممن خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس..يلام على من اتبع الهدىأما بعد، فالحمد لله الذي فضّ خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكممن صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينااذا جاءكم كتابي فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّةوالا، فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة"..!!وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّخوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق، فلم يضيّع وقته، وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيّا عجيبا.في الأبلّة، الى السّدير، فالنّجف، الى الحيرة، فالأنبار، فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون.أجل، الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم، ويسومونهم سوء العذاب..وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قوّاته:" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، الا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين".وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم الشام..وهناك دوّت أصوات المؤذنين، وتكبيرات الفاتحين.ترى هل سمع الروم في الشام..؟وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم، وعالمهم..؟ أجل لقد سمعوا.. وفزّعوا.. وقرّروا أن يخوضوا في حنون معركة اليأس والضياع..!كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان..وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا:" والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا"..وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل، وأ{بعين ألفا.وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر:" والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"..!!!وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك، تلقى أمر الخليفة بالزحف الى الشام، ليكون أميرا على جيوش الاسلام التي سبقته اليها..وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع، فترك على العراق المثنّى بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام، وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز، وبين يدي المعركة واللقاء، وقف في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه:" ان هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاور الامارة، فيكون أحدنا اليوم أميرا، والآخر غدا، والآخر بعد غد، حتى يتأمّر كلكم"...هذا يوم من أيام الله..ما أروعها من بداية..!!لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار، فعلى الرغممن أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه، فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة وجعلها دولة بينهم..اليوم أمير، ودغا أمي رثان.. وبعد غد أمير آخر..وهكذا..كان جيش الروم بأعداده وبعتاده، شيئا بالغ الرهبة..لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين، وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما، من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود، وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا..ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات، فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه..!!ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال جدّ خبير:" خالد لها".!!وقال:" والله، لأشفينّ وساوسهم بخالد".فليأت الروم بكل هولهم، فمع المسلمين الترياق..!!عبأ ابن الوليد جيشه، وقسمه الى فيالق، ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها..ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع، خطوة خطوة، وحركة حركة، حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة، لما أخطأ التقدير والحساب..!!كل مناورة توقعها من الروم صنعوها..كا انسحاب تنبأ به فعلوه..وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا، احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار، خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالاسلام، بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع..وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد، هو الثبات..وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة، يمكن أن تشيع في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره...من أجل هذا، كان صارما، تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا..وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك، وبعد أن أخذ جيشه مواقعه، دعا نساء المسلمين، ولأول مرّة سلّمهن السيوف، وأمرهن، بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:" من يولّي هاربا فاقتلنه"..وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..وبرز اليه خالد، حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين..وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا"" قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..فان شئتم، أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير، وكسوة، وطعاما، وترجعون الى بلادكم، وفي العام القادم أبعث اليكم بمثلها".!!وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه، وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب..وقرر أن يردذ عليه بجواب مناسب، فقال له:" انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم، فجئنا لذلك"..!!ولوة البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال.." الله أكبر"" هبّي رياح الجنة"..كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.ودار قتال ليس لضراوته نظير..وأقبل الروم في فيالق كالجبال..وبجا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون..ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم..فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول:" اني قد عزمت على الشهادة، فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه"؟؟فيجيب أبو عبيدة:" نعم قل له: يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه، ويضرب بآلاف السيوف حتى يرتفع شهيدا..!!وهذا عكرمة بن أبي جهل..أجل ابن أبي جهل..ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:" لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله الاسلام، افأفرّ من أعداء الله اليوم"؟؟ثم يصيح:" من يبايع على الموت"..فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين، ثم ينطلقون معا الى قلب المعركة لا باحثين عن النصر، بل عن الشهادة.. ويتقبّل الله بيعتهم وبيعهم،فيستشهدون..!!وهؤلاء آخرون أصيبوا بجراح أليمة، وجيء لهم بماء يبللون به أفواههم، فلما قدم الماء الى أولهم، أشار الى الساقي أن أعط أخي الذي بجواري فجرحه أخطر، وظمؤه أشد.. فلما قدّم اليه الامء، اشار بدوره لجاره. فلا انتقل اليه أشار بدوره لجاره..وهكذا، حتى.. جادت أرواح أكثرهم ظامئة.. ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا..!!أجل..لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها.ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة، تلك اللوحة الفذة.. لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد على رأس مائة لا غير من جنده، ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي، وخالد يصيح في المائة الذين معه:" والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد الا ما رأيتم.واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم".مائة يخوضون في أربعين ألف.. ثم ينتصرون..!!ولكن أي عجب؟؟أليس مالء قلوبهم ايمان بالله العلي الكبير..؟؟وايمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟؟وايمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا، وهدى ونبلا؟وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه، هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا، بينما هو في المدينة’ العاصمة الجديدة للعالم الجديد، يحلب بيده شياه الأيامى، ويعجن بيده خبز اليتامى..؟؟وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر، والصفلف، والبغي، والعدوان، وسيف الله المسلول على قوى التخلّف والتعفّن والشرك؟؟أليس ذلك، كذلك..؟اذن، هبي رياح النصر...هبّي قويّة عزيزة، ظافرة، قاهرة...لقد بهرت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم، مما حمل أحدهم، واسمه جرجح على أن يدعو خالدا للبروز اليه في احدى فترات الراحة بين القتال.وحين يلتقيان، يوجه القائد الرومي حديثه الى خالد قائلا:" يا خالد، أصدقني ولا تكذبني فان الحرّ لا يكذب..هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه، فلا تسلّه على أحد الا هزمته"؟؟قال خالد: لا..قال الرجل: فبم سميّت يبف الله"؟قال خالد: ان الله بعث فينا نبيه، فمنا من صدّقه ومنا من كذّب.ز وكنت فيمن كذّب حتى أخذ الله قلوبنا الى الاسلام، وهدانا برسوله فبايعناه..فدعا لي الرسول، وقال لي: أنت سيف من سيوف الله، فهكذا سميّت.. سيف الله".قال القائد الرومي: والام تدعون..؟قال خالد:الى توحيد الله، والى الاسلام.قال:هل لمن يدخل في الاسلام اليوم مثل ما لكممن المثوبة والأجر؟قال خالد: نعم وأفضل..قال الرجل: كيف وقد سبقتموه..؟قال خالد:لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر..أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه، ثم آمنتم بالغيب، فان أجركم أجزل وأكبر اا صدقتم الله سرائركم ونواياكم.وصاح القائد الرومي، وقد دفع جواده الى ناحية خالد، ووقف بجواره:علمني الاسلام يا خالد"".!!!وأسلم وصلى ركعتين لله عز وجل.. لم يصلّ سواهما، فقد استأنف الجيشان القتال.. وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستيتا في طلب لبشهادة حتى نالها وظفر بها..!!وبعد، فها نحن أولاء نواجه العظمة الانسانية في مشهد من أبهى مشاهدها.. اذ كان خالد يقود جيوش المسلمين في هذه المعركة الضارية، ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلالا فذا، بقدر ما هو مضن ورهيب، واذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من الخليقة الجديد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. وفيه تحيّة الفاروق للجيش المسلم، نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وتولية أبي عبيدة بن الجرّاح مكانه..قرأ خالد الكتاب، وهمهم بابتهالات الترحّم على ابي بكر والتوفيق لعمر..ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح لأحد بما فيه وألزمه مكانه أمره ألا يغادره، وألا يتصل بأحد.استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر، وأوامر عمر حتى يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا..ودقّت ساعة الظفر، واندحر الروم..وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا اليه تحيّة الجندي لقائده... وظنها أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي حققق نصرا لم يكن في السحبان.. بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا، فقبّل خالد بين عينيه، وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه..وثمّت رواية تاريخية أخرى، تقول: ان الكتاب أرسل من أمير المؤمنين عمر الى أبي عبيدة، وكتم أبو عبيدة النبأ عن خالد حتى انتهت المعركة..وسواء كان الأمر هذا أو ذاك، فان مسلك خالد في كلتا الحالتين هو الذي يعنينا.. ولقد كان مسلكا بالغ الروعة والعظمة والجلال..ولا أعرف في حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلاصه العميق وصدقه الوثيق، مثل هذا الموقف...فسواء عليه أن يكون أميرا، أو جنديا..ان الامارة كالجندية، كلاهما سبب يؤدي به واجبه نحو الله الذي آمن به، ونحو الرسول الذي بايعه، ونحو الدين الذي اعتنقه وسار تحت رايته..وجهده المبذول وهو أمير مطاع.. كجهده المبذول وهو جندي مطيع..!ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس، كما هيأه لغيره، طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة المسلمة والدولة المسلمة يوم ذاك..أبو بكر وعمر..اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان، حتى يخطر على البال كل معجز من فضائل الانسان، وعظمة الانسان..وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بين عمر وخالد، فان نزاهة عمر وعدله،وورعه وعظمته الخارقة، لم تكن قط موضع تساؤول لدى خالد..ومن ثم لم تكن قراراته موضع سك، لأن الضمير الذي يمليها، قد بلغ من الورع، ومن الاستقامة، ومن الاخلاص والصدق أقصى ما يبلغه ضمير منزه ورشيد..لم يكن أمير المؤمنين عمر يأخذ على خالد من سوء، ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع، والحدّة..ولقد عبّر عن هذا حين اقترح على أبي بكر عزله اثر مقتل مالك بن نويرة، فقال:" ان في سيف خالد رهقا"أي خفة وحدّة وتسرّع..فأجابه الصدّيق قائلا:" ما كنت لأشيم سيف سلّه الله على الكافرين".لم يقل عمر ان في خالد رهقا.. بل جعل الرهق لسيفه لا لشخصه، وهي كلمات لا تنمّ عن أدب أمير المؤمنين فحسب، بل وعن تقديره لخالد أيضا..وخالد رجل حرب من المهد الى اللحد..فبيئته، ونشأته، وتربيته وحياه كلها، قبل الاسلام وبعده كانت كلها وعاء لفارس، مخاطر، داهية..ثم ان الحاح ماضيه قبل السلام، والحروب التي خاضها ضد الرسول وأصحابه، والضربات التي أسقط بها سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة، وجباها عابدة، كل هذا كان له على ضميره ثقل مبهظ، جعل سيفه توّاقا الى أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حملة الاسلام..وانكم لتذكرون العبارة التي أوردناها أوّل هذا الحديث والتي جاءت في سياق حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال له:" يا رسول الله..استغفر لي كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل الله".وعلى الرغم من انباء الرسول صلى الله عليه وسلم اياه، بأن الاسلام يجبّ ما كان قبله، فانه يظل يتوسل على الظفر بعهد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله له فيما صنعت من قبل يداه..والسيف حين يكون في يد فارس خارق كخالد بن الوليد، ثم يحرّك اليد القابضة عليه ضمير منوهج بحرارة التطهر والتعويض، ومفعم بولاء مطلق لدين تحيط به المؤمرات والعداوات، فان من الصعب على هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة، وحدّته الخاطفة..وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه المتاعب.فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح الى بعض قبائل العرب القريبة من مكة، وقال له:" اني أبعثك داعيا لا مقاتلا".غلبه سيفه على أمره ودفعه الى دور المقاتل.. متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله عليه السلام ينتفض جزعا وألما حين بلفه صنيع خالد.. وقام مستقبلا القبلة، رافعا يديه، ومعتذرا الى الله بقوله:" اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد".ثم أرسل عليّا فودى لهم دماءهم وأموالهم.وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدالله بن حذافة السهمي قال له:ان رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم عن الاسلام..كان خالد يحمل طاقة غير عادية.. وكان يستبد به توق عارم الى هدم عالمه القديم كله..ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه.لو أننا نبصره وهو يدمدم بمعوله على هذه البناية الحجرية، لأبصرنا رجلا يبدو كأنه يقاتل جيشا بأسره، يطوّح رؤوس أفرداه ويتبر بالمنايا صفوفه.فهو يضرب بيمينه، وبشماله، وبقدمه، ويصيح في الشظايا المتناثرة، والتراب المتساقط:" يا عزّى كفرانك، لا سبحانكاني رأيت الله قد أهانك"..!!ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها..!كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه في نظر خالد كالعزّى لا مكان لها في العالم الجديد الذي وقف خالد تحت أعلامه..ولا يعرف خالد أداة لتصفيتها الا سيفه..والا.." كفرانك لا سبحانك..اني رأيت الله قد أهانك"..!!على أننا اذ نتمنى مع أمير المؤمنين عمر، لوخلا سيف خالد من هذا الرهق، فاننا سنظل نردد مع أمير المؤمنين قوله:" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"..!!لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا، وعلم الانس فيما بعد أنه لم يكن يبكي فقده وحسب، بل ويبكي فرصة أضاعها الموت عن عمر اذ كان يعتزم رد الامارة الى خالد بعد أن زال افتتان الناس به. ومحصت أسباب عزله، لولا أن تداركه الموت وسارع خالد الى لقاء ربه.نعم سارع البطل العظيم الى مثواه في الجنة..أما آن له أن يستريح..؟؟ هو الذي لم تشهد الأرض عدوّا للراحة مثله..؟؟أما آن لجسده المجهد أن ينام قليلا..؟؟ هو الذي كان يصفه أصحابه وأعداؤه بأنه:" الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام"..؟؟أما هو، فلو خيّر لاختار أن يمدّ الله له في عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا المتعفنة القديمة، ويتابع عمله وجهاده في سبيل الله والاسلام..ان روح هذا الرجل وريحانه ليوجدان دائما وابدا، حيث تصهل الخيل، وتلتمع الأسنّة، وتخفق رايات التوحيد فوق الجيوش المسلمة..وأنه ليقول:" ما ليلة يهدى اليّ فيها عروس، أو أبشّر فيها بوليد، بأحبّ اليّ من ليلة شديدة الجليد، في سريّة من المهاجرين، أصبح بهم المشركين"..من أجل ذلك، كانت مأساة حياته أن يموت في فراشه، وهو الذي قضى حياته كلها فوق ظهر جواده، وتحت بريق سيفه...هو الذي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقهر أصحاب الردّة، وسوّى بالتراب عرش فارس والروم، وقطع الأرض وثبا، في العراق خطوة خطوة، حتى فتحها للاسلام، وفي بلاد الشام خطوة خطوة حتى فتحها كلها للاسلام...أميرا يحمل شظف الجندي وتواضعه.. وجنديا يحمل مسؤولية الأمير وقدوته..كانت مأساة حياة البطل أن يموت البطل على فراشه..!!هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه:" لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع الا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أ، رمية سهم..ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء"..!كلمات لا يجيد النطق بها في مثل هذا الموطن، الا مثل هذا الرجل، وحين كان يستقبل لحظات الرحيل، شرع يملي وصيّته..أتجرون الى من أوصى..؟الى عمر بن الخطاب ذاته..!!أتدرون ما تركته..؟فرسه وسلاحه..!!ثم ماذا؟؟لا شيء قط ، مما يقتني الناس ويمتلكون..!!ذلك أنه لم يكن يستحزذ عليه وهو حيّ، سوى اقتناء النصر وامتلاك الظفر على أعداء الحق.وما كان في متاع الدنيا جميعه ما يستحوذ على حرصه..شيء واحد، كان يحرص عليه في شغف واستماتة.. تلك هي قلنسوته"..سقطت منه يوم اليرموك. فأضنى نفسه والناس في البحث عنها.. فلما عوتب في ذلك قال:" ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله واني أتافاءل بها، وأستنصر".وأخيرا، خرج جثمان البطل من داره محمولا على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعينين اختلط فيهما بريق العزم بغاشية الحزن فقالت تودّعه:أنت خير من ألف ألف من القو م اذا ما كبت وجوه الرجالأشجاع..؟ فأنت أشجع من لي ث غضنفر يذود عن أشبالأجواد..؟ فأنت أجود من سي ل غامر يسيل بين الجبالوسمعها عمر فازداد قلبه خفقا.. ودمعه دفقا.. وقال:" صدقت..والله ان كان لكذلك".وثوى البطل في مرقده..ووقف أصحابه في خشوع، والدنيا من حولهم هاجعة، خاشعة، صامتة..لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها، وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها، يقودها عبيره وأريجه..واذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب لوت برأسها كالراية، وصهيلها يصدح.. تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها، يهدّ عروش فارس والروم، ويشفي وساوس الوثنية والبغي، ويزيح من طريق الاسلام كل قوى التقهقر والشرك...وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط، ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع..!!ثم مقفت ساكنة ورأسها مرتفع.. وجبهتها عالية.. ولكن من آقيها تسيل دموع غزار وكبار..!!لقد وقفها خالد مع سلاحه في سبيل الله..ولكن هل سيقدر فارس على أن يمتطي صهوتها بعد خالد..؟؟وهل ستذلل ظهرها لأحد سواه..؟؟ايه يا بطل كل نصر..ويا فجر كل ليلة..لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لجندك:" عند الصباح يحمد القوم السرى"..حتى ذهبت عنك مثلا..وهأنتذا، قد أتممت مسراك..فلصباحك الحمد أبا سليمان..!!ولذكراك المجد، والعطر، والخلد، يا خالد..!!ودعنا.. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي ودّعك بها ورثاك:" رحم الله أبا سليمانما عند الله خير مما كان فيهولقد عاش حميداومات سعيدا

اعداد
الطالب مجد امجد المجالي
مدرسة الكنتدي الاساسية
الصف التاسع ( د )









مصعب بن عمير
(( 000 ـ 3 هـ ))
هو أبو عبدالله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي العبدري، من فضلاء الصحابة وخيارهم، ومن السابقين إلى الإسلام، كان قبل إسلامه فتى مكة شباباً وجمالاً، وكان أبواه يحبانه وكانت أمه ثرية تكسوه أحسن اللباس وأرقه، وكان أعطر أهل مكة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مارأيت أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير، وكان يلقب لذلك مصعب الخير. أسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفاً من أهله، وكان يتردد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً فرآه عثمان بن طلحة يصلي، فأعلم أهله فحبسوه، فلم يزل محبوساً إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة ثم رجع منها إلى مكة ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليدعو إلى الله، ويعلم من أسلم منهم أمور دينهم، فكان نشيطاً في الدعوة إلى الإسلام يأتي الأنصار في بيوتهم ومجالسهم، ويدعوهم إلى الإسلام حتى فشا الإسلام فيهم، وممن أسلم على يديه أسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، وقد جهد في الإسلام جهداً شديداً وعانى خشونة العيش من الجوع والشدة والتعب، حتى قيل: إن جلده كان يتطاير عنه تطاير جلد الحية، شهد غزوة بدر وأحد، وحمل اللواء يومئذ، وقطعت يده اليمنى فحمله في يده اليسرى ثم قطعت اليسرى فضمه بعضديه ثم قتل شهيداً، ولما قتل لم يجدوا ما يكفنونه به إلاثوباً واحداً إذا وضعوه على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعوه على رجليه خرج رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها ممايلي الرأس، واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر، وهو الذي نزل فيه وفي أصحابه قوله تعالى: ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)).
-----------------------
للتوسع:
الحلية 1/106 ـ السير 1/145 ـ الطبقات 3/116 ـ الإصابة 3/421 ـ أسد الغابة 5/181
الاستيعاب 4/ 1473 ـ فتح الباري 7/433 ـ غاية النهاية 2/299 ـ الأعلام 7/248













أبو جندل
((0000 ـ ت 18 هـ))
هو أبو جندل، العاص بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري القرشي، من فضلاء الصحابه، أسلم قديماً فحبسه أبوه وقيده ومنعه من الهجرة، فلما كان يوم صلح الحديبية هرب بقيوده ووصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أبرم الصلح مع قريش ـ وكان من بين شروطه أن يرد المسلمون من يأتيهم من المشركين إذا طلبهم ذووهم ـ فتمسك سهيل بهذا الشرط، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد له ابنه وكان موقفاً صعباً تألم له المسلمون الحاضرون، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى بالعهد وأمر برد أبي جندل أملاً في أن يجعل الله له فرجاً، وقد تحققت فراسته صلى الله عليه وسلم، فهرب أبو جندل من مرافقيه ولحق بأخيه أبو بصير الذي سبقه إلى الإسلام إلى سيف البحر، وأخذوا يهددون قوافل قريش إلى أن طلبت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقدم أباجندل ورفاقه إلى المدينة، وتنازلت عن شرطها ذاك، فسكن المدينة وشارك في فتوح الشام توفي شهيداً في طاعون عمواس بالأردن سنة ثماني عشرة للهجرة.
أسامة بن زيد
(( 7 ق - 54 هـ ))
هو أبو محمد أسامة بن زيد بن حارثة بن عوف بن كنانة . صحابي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وحِبّه وابن حِبّه، وأمه أم أيمن بركة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ، وكان يحبه حباً جماً . ولد بمكة وهاجر مع والديه إلى المدينة . شهد بعض المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شهد غزوة مؤته تحت قيادة والده زيد بن حارثة حيث استشهد فيها زيد رضي الله عنه . وأمَّره رسول صلى الله عليه وسلم على جيش فيه أبو بكر وعمر قبل أن يبلغ العشرين ووجهه إلى الروم بالشام . ومات صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج الجيش من معسكره في المدينة ، فأنفذه أبو بكر الصديق واستأذنه في أن يتخلف عمر عنده ليستعين به فأذن له أسامة ، وسار معه أبو بكر حتى خارج المدينة ، ولذا يُروى أن عمر كان إذا لقيه يقول : السلام عليك أيها الأمير . وكان نقش خاتمه ( أسامة حِبّ رسول الله ) ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لأسامة خمسة آلاف ولابنه عبدالله بن عمر ألفين ، فقال ابن عمر: فضلت عليَّ أسامة فقال : إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك وكان أبوه أحب إلى رسول الله من أبيك . وبعد عودته من حرب الروم مكث فترة في المدينة ثم رحل إلى وادي القرى فسكنه ثم انتقل إلى دمشق أيام معاوية ولم يطل المكث بها فعاد إلى المدينة وأقام بها إلى أن توفي فيها سنة أربع وخمسين هجرية وعمره إحدى وستون سنة
أبو عبيدة بن الجراح
(… ـ 18هـ)
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب القرشي الفهري المكي.
مشهور بكنيته، والنسبة إلى جده.
وأمه: أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى، أدركت الإسلام وأسلمت.
كان أحد العشرة السابقين، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر الهجرتين، آخى صلى الله عليه وسلم بينه ويبن سالم مولى أبي حذيفة. وقيل: محمد بن مسلمة. وقيل: غيره، وهو من الأبطال المشهورين، والقادة الميامين.
شهد بدراً، وتصدى له أبوه ـ وكان مشركاً ـ فحاد عنه لكن أباه أصر على قتله فقاتله أبو عبيدة وقتله، فأنزل الله فيه: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله …) الآية، وأبلى يوم أحد بلاءً حسناً، ونزع حلقتي المغفر اللتين دخلتا في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: ما رؤي هتم أحسن من هتم أبي عبيدة. بعثه الله صلى الله عليه وسلم على رأس نيف وثلثمائة رجل إلى حي من جهينة بساحل البحر الأحمر. فلما نفد زادهم. وأصابهم الجوع، ألقى إليهم البحر حوتاً كبيراً اسمه (العنبر) فأكلوا منه أياماً، وحملوا معهم إلى المدينة فأكل منه صلى الله عليه وسلم. وقد عزم الصديق على توليته الخلافة يوم السقيفة وقال: قد رضيت لكم أحد هذين وأشار إلى عمر وأبي عبيدة. ووجهه الصديق إلى الشام في السنة الثالثة عشرة أميراً من أمراء الأجناد، ثم ولاه عمر القيادة العامة لجيوش الفتح في بلاد الشام وفتح الله على يديه فتوحاً عظيمة.
كان رضي الله عنه نحيفاً، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالاً، أحنى، أثرم الثنيتين، يصبغ رأسه ولحيته بالحناء والكتم.
وكان حسن الخلق، حليماً متواضعاً كثير الناقب، معدوداً فيمن جمع القرآن، شهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسماه أمين الأمة، وقال: "ما منكم من أحد إلا لو شئت أخذت عليه بعض خلقه إلا أبا عبيدة" ثم توفي وهو عنه راض. ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: من أحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه قالت: (أبو بكر ثم عمر ثم أبو عبيدة).
وكان عمر يقول: (لئن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي لأستخلفنه فإن سألني ربي لأقولن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ").
وقال مرة لجلسائه: تمنوا، فتمنوا فقال عمر: (لكني أتمنى بيتاً ممتلئاً مثل أبي عبيدة).
ولما بلغ الفاروق أن أبا عبيدة حصر بالشام كتب إليه يقول: فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة إلا جعل الله بعدها فرجا، وإنه لا يغلب عسر يسرين (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا …) الآية، فكتب إليه أبو عبيدة: أما بعد (فإن الله تعالى يقول: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة…) الآية، فخرج عمر على المنبر فقرأ الكتاب وقال: يا أهل المدينة، إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي؛ ارغبوا في الجهاد.
وسمع معاذ بن جبل رجلاً يقول في الحصار: لو كان خالد بن الوليد ما كان بالناس دوك (اختلاط) فقال معاذ: فإلى أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبالك، والله إنه لخير من بقي على الأرض.
ولما قدم الفاروق الشام دخل بيته فلم يجد فيه إلا لبداً وصحفة وشناً، فقال: أعندك طعام؟ فقام إلى جونة فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر وقال: غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة.
وحين ضرب الطاعون بلاد الشام أرسل عمر إلى أبي عبيدة: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها فعجل إلي، فلما قرأ الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق ثم كتب إليه: إني قد عرفت حاجتك، فحللني من عزيمتك فإني في جند من أجناد المسلمين لا أرغب بنفسي عنهم. فلما قرأ الكتاب عمر بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة؟ قال: لا، وكأن قد.
وكان رضي الله عنه يقول: ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها غداً مهين، بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء، ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن.
ومن أقواله أيضاً: وددت أني كنت كبشاً فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي.
توجه من الجابية إلى بيت المقدس للصلاة فيه فأصابه الطاعون وهو بفحل من الأردن فدعا من حضره من المسلمين فقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا، وحجوا، واعتمروا، وتواصوا، وانصحوا لأمرائكم، ولا تغشوهم، ولا تلهكم الدنيا، فإن امرأ لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، إن الله كتب الموت على بني آدم فهم ميتون، وأكيسهم أطوعهم لربه، وأعملهم ليوم معاده، والسلام عليكم ورحمة الله، يا معاذ بن جبل: صل بالناس، ومات.
وكانت وفاته بفحل، وبها قبره، وقيل: توفي بفحل وقبره بعمواس، وكان ذلك سنة ثماني عشرة من الهجرة في خلافة عمر، عن ثمان وخمسين سنة..
عثمان بن عفان
(47ق هـ ـ 35هـ)
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، أبو عبد الله، ذو النورين، القرشي الأموي أمير المؤمنين، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، من السابقين إلى الإسلام.
زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته رقية، وهاجرت معه إلى الحبشة الهجرتين، ثم عاد إلى مكة، وهاجر إلى المدينة.
ولم يشهد بدراً ؛ لأن زوجته كانت في مرض الوفاة فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالإقامة عندها، وضرب له بسهم، فصار كمن شهد بدراً، ثم زوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها بابنته الثانية أم كلثوم، فلما توفيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن لنا ثالثة لزوجناك)).
بويع بالخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب.
افتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص.
وأتم جمع القرآن الكريم، فنسخ المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق وأحرق ما عداه، وهو أول من أمر بالأذان الأول، وقدم خطبة العيد على الصلاة، واتخذ الشرطة، واتخذ داراً للقضاء.
له مناقب عظيمة، فقد جهز نصف جيش العسرة بماله، فبذل ثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها، وتبرع بألف دينار، كما أنه اشترى بئر رومة وأوقفه للمسلمين، واستأذن مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بئر أريس فأذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي رفيق، ورفيقي ـ يعني في الجنة ـ عثمان)). وهو ممن نزل فيهم قوله تعالى: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل..) الآية.
ولما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وكان معه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، رجف الجبل، فقال صلى الله عليه وسلم: ((اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)).
كان عثمان رضي الله عنه إمام المسلمين وخليفتهم في أمور دينهم، فكان يؤم صلواتهم، ويخطب بهم في الجمع والأعياد والمواسم، وهو أول من أحدث المقصورة عند المحراب لحماية الإمام، وذلك بعد اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وهو يصلي الفجر بالمسلمين.
حدثت في الفترة الأخيرة من خلافته فتنة، فنقم الناس عليه لاختصاصه أقاربه من بني أمية ببعض الولايات، وأجج هذه الفتنة رجل يهودي يدعى (عبد الله بن سبأ) فجاءت الوفود من مصر والكوفة والبصرة، وحاصروا داره ومنعوا عنه الماء، والخروج إلى الصلاة حتى يتنازل عن الخلافة، فرفض، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا عثمان، إنه لعل الله يقمصك قميصاً، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم)). وبلغ أصحاب الفتنة أن جيشاً من الشام قادم لنجدته فاقتحموا عليه داره وهو يقرأ القرآن، فقتلوه رضي الله عنه، وكانت شهادته في شهر ذي الحجة سنة 35هـ، ودفن في البقيع، رضي الله عنه وأرضاه.
عقيل بن أبي طالب الهاشمي
(44 ق.هـ ـ 50 هـ)
هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، أبوه أبو طالب بن عبد المطلب شيخ بني هاشم في زمانه، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ويكنى أبا يزيد.
ولد في مكة المكرمة سنة 44 ق.هـ، فهو أكبر من أخيه جعفر بعشر سنين ومن أخيه الإمام علي بعشرين سنة، شهد معركة بدر في السنة الثانية للهجرة مع المشركين قبل أن يسلم، وكان قد خرج معهم مكرهاً فوقع أسيراً لدى المسلمين، ولم يكن ذا مال ففداه عمه العباس بن عبد المطلب، ويروى أن عقيلاً قال للنبي عليه السلام وهو أسير: (مَنْ قتلت من أشراف قريش، فقال النبي عليه السلام: قُتل أبو جهل، قال عقيل: الآن صفا لك الوادي).
أسلم ثم هاجر إلى المدينة سنة 8هـ، وشهد موقعة مؤتة مع أخيه جعفر، ومرض فعاد إلى المدينة وأقام بها، ولم يسمع له ذكر في فتح مكة ولا حنين ولا الطائف، وفي رواية أنه شهد معركة حنين وثبت فيها مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وقال له مرّة: (يا أبا يزيد، إني أحبك حبين: حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حبّ عمّي لك).
ورد له ذكر في كتب الحديث مثل كتب البخاري والنسائي وابن ماجه، حيث روى عدة أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
كان عالماً بالأنساب، ومن أنسب قريش وأعلمهم بأيامها، وكانت له سجادة تطرح له في المسجد النبوي يصلي عليها، ثم يجتمع إليه الناس يسألونه في علم النسب وأيام العرب، وكان أسرع الناس جواباً، وأحضرهم مراجعة في القول، وأبلغهم في ذلك، وكان مبغّضاً في قريش لأنه يعد مساويهم، فقالوا فيه بالباطل، واختلقوا عليه أحاديث مزوّرة، وكان مما أعانهم على ذلك مغاضبته لأخيه الإمام علي وخروجه إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام، ويروى أن معاوية قال يوماً في حضرته: هذا لولا علمه بأني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي وأسأل الله تعالى خاتمة الخير.
وكان معاوية يصله ويقضي عنه ديونه، وقد وردت عنه أخبار ونوادر في بعض الكتب مثل كتاب الأغاني، وأكثرها لا يصح، تنقّل عقيل بين البصرة والكوفة والشام ولكن أكثر إقامته كانت في المدينة وله دار فيها.
عمّر عقيل طويلاً، وكان قوي الجسم شديد البنية، شوهد مرّة، وهو شيخ كبير يحمل دلو ماء كبيراً، وقد عميَ في آخر عمره، وتوفي في المدينة في خلافة معاوية ودفن في بقيع الغرقد وقبره معروف رحمه الله ورضي عنه .
يزيد بن أبي سفيان
(( 000 ـ 18 هـ ))
هو أبو خالد يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، يقال له: يزيد الخير. أخو أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها، من فضلاء الصحابة. أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله على صدقات أخواله بني فراس، وهو أحد الأمراء الذين ندبهم أبو بكر الصديق لغزو الروم، وقد ودعه ماشياً إلى خارج المدينة وزوده بوصاياه. فتحت على يديه مدينة قيسارية، وعندما تولى عمر بن الخطاب الخلافة، ولاه على فلسطين ثم أسند إليه ولاية الشام، ومات وهو أميرها في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة للهجرة.
أبو أيوب الأنصاري
((خالد بن زيد))
هو أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار، الأنصاري، الخزرجي، أحد السابقين الأولين من الأنصار. شهد العقبة، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة نزل عليه حتى بنى حجرته، فبالغ أبو أيوب رضي الله عنه بالحفاوة بالنبي صلى الله عليه وسلم وإكرامه. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين مصعب بن عمير. شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدرٍ وأحدٍ والغزوات الأخرى كلها. استخلفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المدينة ثم العراق ثم لحق به فحارب معه الخوارج، وكان يقول: قال الله تعالى: ـ ((انفروا خفافاً وثقالاً..)) ـ الآية. فلا أجدني خفيفاً أو ثقيلاً، فمن أجل ذلك لزم الجهاد. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين. توفي مجاهداً سنة اثنتين وخمسين ـ على الأرجح ـ وكان في جيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الذي يحارب الروم فدخل عليه يزيد يعوده، فقال: ما حاجتك ياصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حاجتي إذا أنا مت فاركب ثم سغ (تقدم) في أرض العدو ماوجدت مساغاً فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع. فتوفي.. فصنع يزيد كما أمره أبو أيوب حتى دفنه تحت أسوار القسطنطينية وقبره معروف، يستسقون به، فيقولون: قبر الرجل الصالح رضي الله عنه
تميم الداري
(000 - 40هـ)
هو الصحابي الجليل تميم بن أوس بن خارجة، أبو رقية اللخمي الداري.
ولد في فلسطين، وكان نصرانياً، ثم قدم المدينة سنة 9هـ وأعلن إسلامه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، وحدثه بحديث الجساسة بشأن الدجال، وأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدث به على منبره الشريف.
كان ذا هيئة ولباس، وهو أول من أسرج السرج في المسجد النبوي الشريف، وأول من أشار بصنع المنبر، وأول من قص القصص في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد عينه الخليفة عمر مع أبي بن كعب إماماً للتراويح في المسجد النبوي، فكانا يتناوبان على الإمامة.
كان تميم عابداً، كثير التلاوة لكتاب الله عز وجل، كثير التهجد، وكان يختم القرآن كل سبع ليال.
له ذكر في كتب الحديث، روى عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عنه: ابن عباس، وأنس بن مالك، وعطاء الليثي، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب، وآخرون.
ظل في المدينة حتى وفاة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 35هـ، ثم انتقل إلى الشام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه قرية عينون في فلسطين، فسكنها، وبقي فيها حتى وفاته سنة 40هـ رحمه الله ورضي عنه.
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمه السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين، وكنيته أبو محمد، وهو سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا، وأحد سيدي شباب أهل الجنة.
ولد في المدينة المنورة في شهر رمضان سنة (3هـ) على أصح الروايات، وسماه أبوه ((حرب)) ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسمه إلى الحسن، وعق عنه يوم سابعه، وحلق شعره وأمر أن يتصدق بوزن شعره فضة.
نشأ الحسن رضي الله عنه في بيت النبوة متعلقاً بجده رسول الله، وكان أشبه خلق الله به عليه السلام، وخاصة في وجهه ونصف جسمه الأعلى، وكان رسول الله عليه السلام يحبه حباً شديداً ويلاعبه ويداعبه، ويترك له ظهره الشريف ليرتقيه إذا كان ساجداً ويطيل السجود من أجله، وربما أصعده معه على المنبر، وكان يقول عنه: (( إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )) وكان يدعو له ويقول: (( اللهم أحبه فإني أحبه )).
وقد جاء في فضله وفضل أخيه الحسين أحاديث كثيرة منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.
ورآه رسول الله صلى اله عليه وسلم مرة يضع تمرة من تمر الصدقة في فمه، فنزعها وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، وفيه وفي بقية أهله نزلت الآية الكريمة: (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )) [ الأحزاب / 23 ].
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن غلام دون الثامنة، ولما ولي الخلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وارتقى منبر رسول الله ليخطب عليه قال له الحسن: (( انزل عن مجلس أبي )) يعني رسول الله عليه السلام، فقال صدقت إنه مجلس أبيك وأجلسه في حجره وبكى. ثم توفيت والدته السيدة فاطمة الزهراء بعد ستة شهور من وفاة الرسول عليه السلام، فكان لهذين الحدثين أثر كبير في تكوين شخصيته، إذ كان بعد ذلك أكثر التصاقاً بوالده .
وقد شهد الحسن رضي الله عنه خلافة أبي بكر وعمر وعثمان قبل خلافة أبيه وأدرك كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأدب بآدابهم وشهد عدداً من الأحداث الكبيرة أولها الفتنة التي ثارت على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان على بابه يدافع عنه حتى تخضب وجهه بالدماء، وشهد مبايعة والده الإمام علي بالخلافة، وما تبعها من الأحداث مثل وقعة الجمل وموقعة صفين، وكان الحسن غير راض عنها، ولما استشهد والده رضي الله عنه، بايعه أهل العراق وخراسان بالخلافة، واستمرت خلافته نحو ثمانية أشهر، وكادت الحرب أن تقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان لولا حنكته وبعد نظره، فقد قبل بعد مفاوضات ومراسلات التنازل عن الخلافة لمعاوية لتكون الخلافة واحدة في المسلمين جميعاً، ولإنهاء الفتنة وإراقة الدماء وتم ذلك في نصف شهر جمادى الأولى سنة (41هـ)، وسمي هذا العام (( عام الجماعة )) لأنه وحد بين المسلمين، فتحققت نبوة جده صلى الله عليه وسلم عندما قال عنه: (( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ))، وكان الحسن يقول: (( ما أحببت أن لي أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم )).
كان الحسن رضي الله عنه تقياً ورعاً وشجاعاً صبوراً، أدى به ورعه وفضله إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله، وكان جواداً ممدحاً، قاسم الله ماله ثلاث مرات، أي تصدق بنصف ماله، وخرج من ماله كله مرتين، وكان مزواجاً مطلاقاً، تزوج نحو تسعين امرأة، ولما قال والده علي رضي الله عنه لأهل الكوفة: لا تزوجوا الحسن، فإنه رجل مطلاق، قال رجل منهم: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق، وكان يكثر زيارة بيت الله العتيق، ويروى أنه حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وإن الأبل لتقاد معه، وكان يقول إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته.
له ذكر في كتب الحديث، فقد روى عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه وأخيه الحسين رضي الله عنهما، وروى عنه خلق كثير، وقد علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول في دعاء القنوات: ((اللهم اهدني فيمن هديت … إلى آخر الدعاء))
عاش الحسن بقية حياته في المدينة المنورة التي ولد فيها وأحبها، وتوفي رحمه الله سنة 49هـ وفي رواية سنة 50هـ، وله من العمر 47 سنة ويروى أنه مات مسموماً، وقد سأله أخوه الحسين عمن سقاه السم، فقال له: ما سؤالك هذا … تريد أن تقاتلهم؟ أكِلًهم إلى الله. وكان قد أوصى أن يدفن مع جده عليه السلام في حجرة السيدة عائشة، وإن خيف أن يكون قتال. فليدفن في مقبرة البقيع، وهكذا كان فدفن في بقيع الغرقد بجوار أمه السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وصلى عليه سعيد بن العاص أمير المدينة آنئذ، وشهد جنازته جمع غفير من المسلمين رحمه الله ورضي الله عنه.
طلحة بن عبيد الله
هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد القرشي التيمي. من السابقين إلى الإسلام، وممن عذبوا في الله عذاباً شديداً، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
لم يشهد بدراً لأنه كان يتحسس أخبار المشركين بالشام، سماه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد طلحة الخير، ويوم حنين طلحة الجود، ويوم العسرة طلحة الفياض، أبلى يوم أحد بلاءً حسناً، وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم على كتفيه، وأصيب بضعاً وسبعين إصابة، وقطعت إصبعه.
كان ثرياً كثير الأموال، كثير الصدقات. اختاره عمر بن الخطاب عند وفاته ضمن ستة، هم أصحاب الشورى؛ ليختاروا خليفة للمسلمين من بينهم.
كان شديداً على عثمان في فتنته، ولكنه لم يرض بقتله، وكان يقول: "اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى".
اشترك في حرب الجمل ضد علي رضي الله عنه، ولكن علياً كلمه وكلم الزبير فرجعا عن قتاله، ولكنهما قتلا والذي قتل طلحة هو مروان بن الحكم.
عبد الرحمن بن عوف
(43ق.هـ ـ 32هـ)
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهري وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وأمه الشفاء بنت عوف الزهرية، وكنيته أبو محمد وهو من العشرة المبشرين بالجنة.
ولد في مكة المكرمة سنة 43 قبل الهجرة، وأسلم مبكراً فكان ثامن ثمانية دخلوا الإسلام، أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هاجر هجرته الأولى إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة المكرمة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن عفان، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة فآخى الرسول عليه السلام بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجي، فعرض عليه سعد أن يشاطره ماله، وأن يطلق أحسن زوجتيه ويزوجها له، فأبى عبد الرحمن وقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وطلب منه أن يدله على السوق، لممارسة التجارة فيه، وكان ماهراً فيها، وما لبث أن صار من كبار التجار والأغنياء في المدينة.
اشترك في معركة بدر سنة 2هـ، وقتل فيها عدداً من المشركين، وأسر أمية بن خلف ـ أحد زعماء قريش ـ فقتله جماعة من المسلمين بين يديه، واشترك في معركة أحد سنة 3هـ، وقتل فيها عدداً من المشركين أيضاً، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين انهزم الناس عنه، وكان أحد المدافعين عنه وجُرح أكثر من عشرين جرحاً وكُسرت ساقه وسقطت ثنيتاه وصار أهتم الثغر.
وشهد في السنة السادسة الهجرية غزوة الحديبية، وشهد صلح الحديبية، وبايع بيعة الشجرة، وفي الطريق إلى غزوة تبوك، صلى عبد الرحمن بالمسلمين وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة من الصلاة، وعينه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً على سرية إلى دومة الجندل، وفيها أسلم على يديه ملكها الأصبغ بن ثعلبة الكلبي وجماعة من قومه، وتزوج ابنته تماضر بنت الأصبغ بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أم ولده أبي سلمة الفقيه، وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات بني كلب لأمانته ونزاهته، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، وأصبح مستشاراً أميناً للخليفة أبي بكر الصديق، وفي خلافة عمر بن الخطاب حج عبد الرحمن بالناس، وفي سنة أخرى حج بأزواج الرسول عليه السلام، وكان الخليفة عمر يستشيره في كثير من الأمور لأمانته وثقته به.
ولما طُعن عمر بن الخطاب، كان أحد الستة من أهل الشورى الذين اختارهم عمر للخلافة وقد خلع نفسه عن الخلافة، وقام باختيار خليفة المسلمين الجديد، عثمان بن عفان، فكان موضع ثقة عثمان ومستشاره كما كان من قبل موضع ثقة أبي بكر وعمر.
كان عبد الرحمن تاجراً كبيراً ومن كبار أغنياء المسلمين، وكما جاهد بنفسه وبسيفه جاهد بأمواله، فكان كثير الإنفاق والصدقات على المسلمين، حيث تصدق بمئات الآلاف من الدراهم والدنانير، وجهز ألف راحلة في سبيل الله، وتبرع مرة بمائة راحلة بما تحمل من المؤن على فقراء المدينة، ووضع مرة أخرى قافلة كاملة جاءته من الشام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له عليه السلام بالجنة، وكان يقال أهل المدينة عيال على عبد الرحمن بن عوف، فهم: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويتصدق عليهم، وكان كثير الإنفاق على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، قالت السيدة عائشة بعدما رأته ينفق عليها وعلى بقية نساء الرسول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون " . سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
وكان تقياً ورعاً فقيها، وكان يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر وعمر، وله ذكر في كتب الحديث، وروى مجموعة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك وأولاده، وجبير بن مطعم وجابر بن عبد الله، وآخرون.
وكان قوي الجسم تزوج عدداً من النساء وأنجب منهن ذرية كثيرة العدد، وقد أوصى عند احتضاره بخمسين ألف دينار وألف فرس في سبيل الله وأوصى لمن بقي ممن شهد بدراً ب (400) دينار لكل رجل منهم وكانوا (100) رجل ومنهم الخليفة عثمان بن عفان، وخلف وراءه مالاً عظيماً من الذهب والإبل والشاة والخيل والمزارع، وتوفي في المدينة سنة 32هـ في خلافة عثمان بن عفان وعمره (75) سنة، ودفن في البقيع رحمه الله ورضي عنه.






معاوية بن أبي سفيان
(18 ق.هـ_60هـ)
هو معاوية بن أبي سفيان _ صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وكنيته أبو عبد الرحمن، وأبو يزيد، والده أبو سفيان سيد قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وأمه هند بنت عتبة الأموية، من مشاهير سيدات قريش، أسلمت يوم الفتح وحسن إسلامها.
ولد معاوية في مكة قبل البعثة النبوية بخمس سنين تقريباً، وقيل أكثر، ونشأ وتربى بين قومه بني أمية في شرف ونبل وثراء، أسلم يوم الحديبية سنة (6هـ)، ولكنه كتم إسلامه، وفي رواية أنه أسلم يوم فتح مكة مع والديه، ثم هاجر إلى المدينة فكان أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولاه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام سنة 21هـ بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم أقّره الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه على الولاية، وبعد موت عثمان سنة 35هـ لم يبايع معاوية الخليفة علياً رضي الله عنه، واستقّل بالشام وحصلت بينهما فتنة استمرت زهاء خمس سنوات، وقعت فيها معركة صفين سنة 37هـ.
بايعه عامة الناس سنة 41هـ، بعدما تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة، فسميّ هذا العام عام الجماعة، لاجتماع كلمة المسلمين فيه.
واستمر معاوية في الخلافة حتى وفاته سنة 60هـ، فكان بذلك أميراً (20عاماً) وخليفة (20عاماً) أخرى.
عاش معاوية رضي الله عنه محباً للجهاد في سبيل الله، فكان تارة يغزو بلاد الأعداء بنفسه، وتارة يرسل القادة والجيوش نيابة عنه، وقد فتحت على يديه وفي عهده بلاد كثيرة، منها في البحر: قبرص، وصقلية، وفي البر: مساحات واسعة في بلاد الروم، وبلاد السند، وكابل، والأهواز، وماوراء النهر، وشمال أفريقيا وغيرها.
وكان له جملة من الإصلاحات الإدارية منها: أنه نظم البريد، والشرطة، وأقام ونظّم ديوان الخاتم، وغير ذلك من الإصلاحات، فكان أول من وضع أساس الإدارة المتقدمة للدولة الإسلامية الموحدة.
كان معاوية قائداً بارعاً وسياسياً حكيماً، ساس الناس بعدله، وحلمه، ورأيه، ودهائه، وحنكته، وشجاعته، وسار بالناس سيرة حسنة.
حدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أخته أم المؤمنين أم حبيبة، وعن أبي بكر وعمر، وحدّث عنه: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، والنعمان بن بشير، وجرير بن عبدالله، وسعيد بن المسيب وغيرهم.
دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم علّم معاوية الحساب وقه العذاب"، وفي رواية "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به".
وروى الإمام أحمد في مسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يامعاوية إذا وليت أمراً فاتق الله واعدل".
وأثنى عليه جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء وغيرهم، رضي الله عنهم، وهو أول من عهد بالخلافة لولده.
وله قصص وأخبار كثيرة ومشهورة أكثر من أن تحصى، وكانت وفاته رضي الله عنه في دمشق سنة 60هـ، ودفن في مقابرها.

سراقة بن مالك
((000 ـ 24 هـ))
هو سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي الكناني. يكنى أبا سفيان صحابي له شعر، كان يقيم في قديد (موضع قرب مكة)، وكان قائفاً (أي خبيراً في تتبع الأثر وإصابة الفراسة) أخرجه أبو سفيان ليتتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما خرج وصاحبه أبو بكر من مكة إلى المدينة مهاجرين، وقد جعلت قريش مائة ناقة لمن ردهما عليهم فاشتد سراقة في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى دنا منهما قدر رمح أو رمحين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفناه بما شئت، فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلدة فوثب عنها وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه فعفا عنه، وبشره بأنه سيلبس سواري كسرى وتاجه ثم رجع إلى مكة، وقال لأبي جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهداً --- لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمداً --- رسـول برهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف القوم عنـه فإنني --- أرى أمـره يوماً ستبدو معـالمه
أسلم يوم الفتح، وامتد به العمر حتى فتحت بلاد فارس، وجاءت الغنائم وفيها جواهر كسرى، فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه وألبسه إياها. وَروَى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث ومات سنة أربع وعشرين للهجرة.
سعد ابن أبي وقاص
((23 ق هـ ـ 55 هـ))
هو أبو إسحاق سعد ابن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، الصحابي الأمير، سابع سبعة أسلموا وهو أول رامٍ في الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وحينما أسلم امتنعت أمه من الطعام والشراب، فقال لها: تعلمين والله لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا الشيء إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي. فنزلت هذه الآية: ((وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً))، وكان ممن نزل فيهم قوله تعالى: ((ولاتطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)). ولما هاجر سعد مع أخيه عمير بن أبي وقاص إلى المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين مصعب بن عمير. وخرج عبيدة بن الحارث في سرية ستين راكباً فكان أول من رمى بسهم في الإسلام، وشهد بدراً وأبلى فيها بلاءً حسناً وأسر اثنين من المشركين ثم بعثه صلى الله عليه وسلم في سرية إلى الخرار في عشرين راكباً يتعرض عيراً لقريش فلم يلق أحداً. وفي غزوة أحد قاتل بشجاعة وحينما انكشف المسلمون ثبت يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال له ارم سعد فداك أبي وأمي. ارم وأنت الفتى الخرور ((القوي)). فما فدّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً قط بأبويه غير سعد، وشهد المشاهد الأخرى كلها معه صلى الله عليه وسلم وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرق ذات ليلة فقال: ليت رجلاً صالحاً يحرسني الليلة؟ فإذا بالباب سعد يقول: أنا أحرسك يارسول الله، فدعا له صلى الله عليه وسلم ثم نام، ورُوي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من يدخل علينا رجل من أهل الجنة. فدخل سعد، ثلاثة أيام يقولها صلى الله عليه وسلم ويدخل سعد، فاحتال عليه عبد الله بن عمر لينظر ما يعمل فيقتدى به وينال ما ناله سعد، فقال له سعد: إني لا أجد في نفسي سوءاً لأحد من المسلمين ولا أنوي له شراً. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل عليه سعد قال لأصحابه: هذا خالي، وفي عام حجة الوداع مرض سعد مرضاً شديداً فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فوضع يده على جبهتة فمسح وجهه وصدره وبطنه وقال: اللهم اشف سعداً وأتم له هجرته. اللهم أصلح قلبه وجسمه واكشف سقمه … اللهم سدد سهمه وأجب دعوته وحببه إلى عبادك. ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنه. شارك في الفتوحات الإسلامية في خلافة الصديق وعمر رضي الله عنهما فهو فاتح العراق ومدائن كسرى، وبنى الكوفة وظل والياً عليها في خلافة عمر ثم عزل وأعاده عثمان عليها زمناً ثم عزل وعاد إلى المدينة. وكان مستجاب الدعاء، فمن ذلك أن بعض أهل الكوفة شكوه إلى عمر فقال رجل منهم: إن سعداً كان لايسير في السرية ولايقسم بالسوية ولايعدل في الرعية القضية. فقال سعد:اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وأدم فقره وأعم بصره وعرضه للفتن، فعمر الرجل طويلاً حتى كان يقف في الطريق فيغمز الجواري ويقول: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد، ومن ذلك أيضاً: أن رجلاً ناله بسوء يوم القادسية، فقال سعد: اللهم اكفنا يده ولسانه فجاءه سهم طائش فأصابه فخرس ويبست يداه جميعاً. لما أصيب عمر جعل الأمر شورى في ستة من بينهم سعد وقال: من استخلفوه فهو الخليفة بعدي وإن أصابت سعداً وإلا فليستعن به الخليفة بعدي فإنني لم أنزعه عن الكوفة من ضعف ولاخيانة. وفي عهد الفتنة اعتزل الناس ((ولم يشترك مع علي ولا معاوية)) في قصر بناه بطرف حمراء الأسد ((على بعد ثمانية أميال من المدينة)). وقال لأهله: ائتوني بسيف إذا ضربت به المسلم لم يقطع وإذا ضربت به الكافر قطع، ولما حضرته الوفاة طلب أن يكفنوه في ثوبه الذي حارب فيها المشركين يوم بدر. وكانت وفاته بمنزله في العقيق سنة خمس وخمسين للهجرة، وحمل إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم، وصلت عليه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ـ وكان آخر العشرة المبشرين بالجنة موتاً وآخر المهاجرين أيضاً رضي الله عنهم جميعاً.
الزبير بن العوام
(... 36هـ)
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله، أمه صفية بنت عبد المطلب، وعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد الخامس (قصي)، صحابي جليل، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم وعمره خمس عشرة سنة أو أقل، هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة ومعه أمه صفية بنت عبد المطلب، شارك في الغزوات كلها، وكان أحد الفارسين يوم بدر. وكان ممن ثبتوا يوم أحد، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها أنه شهيد، وكانت معه إحدى رايات المهاجرين يوم الفتح، كما قال صلى الله عليه وسلم عنه [إن لكل نبي حوارياً وحواريّ الزبير]، وهو أحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وأحد الستة الذين رشحهم عمر للخلافة بعده وهم أهل الشورى، تزوج أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما، وولده عبد الله منها أول مولود للمسلمين بعد الهجرة، اخترق الزبير بن العوام رضي الله عنه صفوف الروم يوم اليرموك مرتين من أولهم إلى آخرهم، وكان ممن دافعوا عن عثمان رضي الله عنه، فلما كان يوم الجمل خرج مطالباً بدم عثمان رضي الله عنه، فذكّره عليٌ بأن الرسول صلى الله عليه وسلم [أخبره أنه يقاتل علياً وهو ظالم له]، فرجع عن القتال وكر راجعاً إلى المدينة، ومر بقوم الأحنف بن قيس وقد انعزلوا عن الفريقين، فاتبعه عمرو بن جرموز في طائفة من غواة بني تميم، فقتلوه غدراً، وهو نائم في وادي السباع، وعمره يومها سبع وستون سنة، وكان في صدره رضي الله عنه أمثال العيون من الطعن والرمي من أثار المعارك التي خاضها في سبيل الله، فرثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل:
غَدَرَ ابن جرموز بفارس بهمة --- يومَ اللقاءِ وكان غر معرد
كم غمرةٍ قد خاضها لم يثنه --- عنها طرادك يا ابن فقع ِالعردد
ولما قتله ابن جرموز احتز رأسه وذهب به إلى عليّ رضي الله عنه، ليحصل له به حظوة عنده فاستأذن فقال عليّ: لا تأذنوا له وبشروه بالنار، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [بشر قاتل ابن صفية بالنار]، ثم دخل ابن جرموز ومعه سيف الزبير رضي الله عنه، فقال عليّ: إن هذا السيف طالما فرّج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيروى أن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه في الحال.
كان الزبير فقيراً لما تزوج أسماء رضي الله عنها، ولكنه بعد ذلك جمع مما أفاء الله عليه من الجهاد ومن خمس الخمس ما يخص أمه منه، فكان يضرب له بأربعة أسهم: سهم له، وسهمين للحصان، وسهم لذي القربى أي لأمه، كما جمع من التجارة المبرورة، وصار له مالاً كثيراً بلغ عند وفاته رضي الله عنه أكثر من ستين مليون درهم. وترك من الذرية واحداً وعشرين من الذكور والإناث، وكان له أربع زوجات رضي الله عنهم أجمعين. وما ولي إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجاً. وكان كثير الصدقات، وقد أوصى له سبعة من الصحابة منهم عثمان وعبد الرحمن وابن مسعود وأبو العاص بن الربيع رضي الله عنهم، فكان ينفق على أبنائهم من ماله ويحفظ عليهم أموالهم. وكان له ألف غلام يؤدون إليه الخراج، فلا يدخل إلى بيته شيئاً من ذلك، ويتصدق به كله. ولما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ محا نفسه من الديوان، ورفض أن يأخذ العطاء الذي كان مخصصاً له من بيت المال.
العباس بن عبد المطلب
هو عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة، صحابي من المهاجرين، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكنى أبا الفضل، وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب، وهي أول عربية كست البيت الحرير والديباج، وسببه أن العباس ضاع وهو صغير، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فوجدته ففعلت. له أحد عشر أخاً وست أخوات. وقد ولد للعباس عشرة من الذكور ماعدا الإناث.
ولد في مكة قبل مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بعامين أو ثلاثة، وتوفي في المدينة المنورة قبيل مقتل عثمان، عام اثنين وثلاثين للهجرة، وعمره ثمان وثمانين، وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما، ودفن في البقيع.
إسلامه:
على الأرجح أنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه، وكان يكتب لرسول لله صلى الله عليه وسلم عن مكة، وأخرج إلى بدر مكرهاً، لذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لايقتلوا العباس رضي الله عنه، عن ابن عباس: (أسلم العباس بمكة قبل بدر، وأسلمت معه أم الفضل، وكان لا يغبيّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبراً بمكة إلا كتب به إليه، وكان مَن هناك مِن المؤمنين يتقوون به، وأقام في مكة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقال له النبي صلى الله عليه وسلم [أنت آخر المهاجرين كما أنني آخر الأنبياء].
السقاية:
كانت السقاية لبني هاشم، وكان أبو طالب يتولاها، فلما اشتد الفقر بأبي طالب، أسند السقاية إلى أخيه العباس، وكان من أكثر قريش مالاً، فقام بها. وعليه كانت عمارة المسجد (وهي أن لا يدع أحداً يسب في المسجد الحرام). وكان نديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب.
مواقفه قبل إعلان إسلامه:
شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، وأخرج إلى بدر مكرهاً مثل غيره من بني هاشم، فأسر وشد وثاقه، وسهر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم، فقالوا: مايسهرك يا نبي الله؟ قال: أسهر لأنين العباس، فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بالأسرى كلهم، وفدى نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفه عتبة بن عمرو، وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداءً، لأنه كان رجلاً موسراً فافتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب.
مواقفه بعد إسلامه:
هاجر قبل فتح مكة، وشهد فتحها، وله موقف هام ومشهور في إسلام أبي سفيان، ويوم حصار الطائف خرج رجل من الحصن فاحتمل رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليدخله الحصن، فمضى إليه العباس فاحتملهما جميعاً ووضعهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم شهد حنيناً، وثبت مع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقود بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينادي بصوته الجهوري على الأنصار والمهاجرين؛ حينما باغتهم العدو في وادي حنين، ولما سمع الأنصار صوته يناديهم عادوا والتفوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وصلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا الأسرى مقيدين عنده، فقد نصره الله عز وجل، كما ورد في القرآن الكريم.
فضله :
كان يعزى بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أقرب الناس له، واستسقى عمر بن الخطاب به في عام الرمادة لما اشتد القحط فسقاهم الله تعالى وأخصبت الأرض.
وكان أبو بكر يجلس إلى يمين النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل العباس تزحزح أبو بكر وأجلسه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعتق عند موته سبعين مملوكاً، ووصى ابنه عبد الله، ثم استقبل القبلة فقال: لاإله إلا الله ثم شخص ببصره فمات.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أسعد الناس يوم القيامة العباس]، وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال [من آذى العباس فقد آذاني، إنما عم الرجل صنو أبيه]، وقال له صلى الله عليه وسلم [أنت آخر المهاجرين كما أنني آخر الأنبياء]، روى عن العباس: عبد الله بن الحارث، وعامر بن سعد، والأحنف بن قيس، وغيرهم،


حمزة بن عبد المطلب
(55 ق.هـ ـ 3 هـ)
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبوه عبد المطلب بن هاشم، كبير قريش وسيدها وصاحب السقاية والرفادة فيها، وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشية، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، وكنيته أبو عمارة وأبو يعلى، ولقبه سيد الشهداء، وأسد الله، وأسد رسوله .
ولد في مكة المكرمة قبل عام الفيل بسنتين فهو أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب في فترتين متقاربتين، فنشأ رضي الله عنه وتربى بين قومه بني هاشم سادة قريش ومكة معززاً مكرماً، وكان موصوفاً بالشجاعة والقوة والبأس حتى عُرف أنه أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة، يشارك في الحياة الاجتماعية مع سادة قومه في أنديتهم ومجتمعاتهم، ويهوى الصيد والقنص وكل أعمال البطولة والفروسية، شهد وهو ابن اثنين وعشرين عاماً حرب الفجار الثانية بين قومه قريش وحلفائهم وبين قيس وحلفائها، وكان النصر لقريش .
كان ترباً لرسول الله وصديقاً له لذا كانت بذور الإسلام موجودة في نفسه ولكن لم يعلن إسلامه إلا في السنة السادسة من البعثة إثر موقف غيرة وانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عائداً من الصيد مرة وبلغه أن أبا جهل بن هشام المخزومي لقي النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة فتعرض له بما يكره وسبّه سباً قبيحاً وآذاه، فغضب وأقبل على أبي جهل بعد أن طاف بالبيت، وضربه على رأسه بقوسه فشجّه شجة منكرة، وقال: (أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فاردد علي إن استطعت ؟ ثم مضى إلى رسول الله في دار الأرقم وأعلن إسلامه، ففرح به الرسول عليه السلام والمسلمون فرحاً كبيراً، وعز جانبهم بإسلامه، ولما أسلم عمر بن الخطاب بعده بفترة وجيزة، خرج المسلمون من دار أبي الأرقم بقيادة حمزة وعمر الفاروق وهم يكبرون ويهللون جهاراً نهاراً .
وفي السنة السابعة من البعثة شارك حمزة قومه بني هاشم وبني المطلب الحصار الذي فرضته عليهم قريش في شِعب أبي طالب وعانوا منه المشقة والعذاب، ولكنهم خرجوا منه في السنة العاشرة وهم أشد قوة وأكثر صلابة .
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلى المدينة، هاجر حمزة مع من هاجر إليها قبيل هجرة النبي عليه السلام بوقت قصير، ونزل فيها على سعد بن زرارة من بني النجار، وآخى الرسول عليه السلام بينه وبين زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد مرور سبعة شهور على الهجرة النبوية عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم أول لواء لحمزة بن عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين لاعتراض عير قريش القادمة من الشام إلى مكة المكرمة بقيادة أبي جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، ولم يحصل بين الطرفين قتال، إذ حجز بينهما مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفاً للطرفين .
شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة ودّان ـ قرية قريبة من الجحفة بين مكة والمدينة ـ وحمل لواء الغزوة. وظهرت بطولته رضي الله عنه في معركة بدر الكبرى التي وقعت في رمضان من السنة الثانية للهجرة حيث اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم مع عبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب لمبارزة فرسان كفار قريش: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فبارز حمزة شيبة وقتله وشارك الآخرين في قتل عتبة، كما قتل عدداً آخر من أبطال قريش منهم طعيمة بن عدي، وأبلى بلاء حسناً، وقاتل بسيفين، وكان يعلّم نفسه بريشة نعامة في صدره، وقال عنه أمية بن خلف أحد سادة قريش قبل أن يقتله المسلمون ذلك فعل بنا الأفاعيل، وقد كان حمزة بحق بطل غزوة بدر الكبرى، وبعد معركة بدر وفي شهر شوال من السنة الثانية للهجرة كان حمزة رضي الله عنه حاملاً لواء النبي لغزو يهود بني قينقاع وإجلائهم عن المدينة، وقد تجلت بطولته وشجاعته بشكل كبير في معركة أحد التي حدثت في شهر شوال سنة 3هـ، وأبلى فيها بلاء عظيماً، وقتل أكثر من ثلاثين شخصاً من الكفار، وكان يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين كأنه الجمل الأورق، فقد استشهد حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد، قتله وحشي الحبشي، ولقتله قصة ذكرها وحشي حيث كان غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر كما ذكر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال جبير لوحشي (إن قتلت حمزة عم محمد، فأنت عتيق)، فخرج وحشي مع الناس، وكان رجلاً حبشياً يقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما يخطئ، قال وحشي: (والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يبقي به شيئاً مثل الجمل الأورق) إذ تقدمني إليه سبّاع بن عبد العزى، فقال له حمزة: هلمّ إليّ يا ابن مقطعة البظور، فضربه ضربة فقتله، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في أسفل بطنه، حتى خرجت من بين رجليه وقضت عليه.
ثم إن نسوة من قريش ومنهن هند بنت عتبة بن ربيعة التي قُتل أبوها وأخوها في معركة بدر مثّلن في جثته وبقرن بطنه، ولاكت هند كبده فلم تستسغه فلفظته، فلما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه قتيلاً بكى، فلما رأى ما مُثِّل به شهق وقال (رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات)، وقال أيضاً (لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً أغيظ إليَّ من هذا) ثم قال: (لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع)، ثم أمر بالقتلى، فجعل يصلي عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون ويترك حمزة، ثم يُجاء بسبعة فيكبر عليهم سبعاً حتى فرغ منهم، وقال بحقه (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب) .
وكان استشهاد حمزة رضي الله عنه في منتصف شهر شوال سنة 3هـ (624م) وله من العمر نحو (58سنة) ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة رضي الله عنه فدفن في موقع المعركة في بطن جبل أحد ودفن معه ابن أخته عبد الله بن جحش وقبرهما معروف حتى اليوم وتسمى المنطقة منطقة سيد الشهداء، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من احد إلى المدينة سمع بعض نساء الأنصار يبكين شهداءهن، فقال: (لكن حمزة لا بواكي له) فاجتمع نساء وبكين حمزة ولما أطلن البكاء قال عليه السلام: (مروهنّ لا يبكين على هالك بعد اليوم) .
وكانت السيدة فاطمة الزهراء تأتي قبر حمزة .. ترمه وتصلحه .
وقد رثاه عدد من الشعراء منهم كعب بن مالك الذي يقول فيه :
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعاً هناك وقد أصيب به الرسول


سلمان الفارسي
((000 ـ 36 هـ))
هو أبو عبدالله سلمان ابن الإسلام. مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، واختلفوا في اسمه قبل إسلامه، نشأ في قرية جيان، ورحل إلى الشام فالموصل فنصيبين فعمورية وقرأ كتب الفرس والروم. أخبره نصراني عنده علم بالإنجيل عن نبي يبعث بالحنيفية دين إبراهيم، به علامات: أنه يأكل الهدية، ولايأكل الصدقة، وبين منكبيه خاتم النبوة، يهاجر إلى أرض ذات نخل. فرحل سلمان إلى الجزيرة العربية وفي الطريق أسره بعض قطاع الطرق، وباعوه لرجل يهودي من بني قريظة فأخذه إلى المدينة ليعمل في مزرعته، وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سارع سلمان للقائه، وقدم له الطعام من الصدقة فأطعم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ولم يأكل، فقال سلمان: هذه واحدة. ثم أتاه بطعام هدية فأطعم أصحابه وأكل منها، فقال: هذه الثانية، وأخذ ينظرإلى الخاتم في ظهره فعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فألقى رداءه، فرأى الخاتم وقبّله وهو يبكي وأسلم، وحدث الرسول وأصحابه بقصته وأعانه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على فداء نفسه من اليهودي، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء ولم يشهد بدراً ولا أحداً بسبب الرق، وأول مشاهده الخندق، ولم يتخلف عن غزوة بعدها. وأشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة، وسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، حتى اختلف عليه المهاجرون والأنصار كلاهما يقول: سلمان منا افتخاراً به، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي قاله لأبي الدراء ((إن لرّبك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ولبدنك عليك حقاً فأعط كلَ ذي حق حقه)). كان سلمان من خيار الصحابة، وفضلائهم، وزهادهم، وذوي القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان له مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى كادت أن تغار أمهات المؤمنين منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: ((عليّ وعمّار وسلمان)). رغب سلمان عن الدنيا، وأقبل على الآخرة ورفض أن يبُنى له قصر وهو أمير المدائن، وطلب أن يُبنى له بيتٌ من القصب وسقفه من ورق البردي، إذا وقف فيه كاد أن يصيب رأسه وإذا نام كاد أن يصيب طرفيه. وكان عطاؤه خمسة آلاف إذا أخذه تصدق به ويأكل من تعب يده وينسج الخوص. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة. توفي في خلافة عثمان بن عفان سنة ست وثلاثين للهجرة.
مصعب بن عمير
(( 000 ـ 3 هـ ))
هو أبو عبدالله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي العبدري، من فضلاء الصحابة وخيارهم، ومن السابقين إلى الإسلام، كان قبل إسلامه فتى مكة شباباً وجمالاً، وكان أبواه يحبانه وكانت أمه ثرية تكسوه أحسن اللباس وأرقه، وكان أعطر أهل مكة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مارأيت أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير، وكان يلقب لذلك مصعب الخير. أسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفاً من أهله، وكان يتردد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً فرآه عثمان بن طلحة يصلي، فأعلم أهله فحبسوه، فلم يزل محبوساً إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة ثم رجع منها إلى مكة ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليدعو إلى الله، ويعلم من أسلم منهم أمور دينهم، فكان نشيطاً في الدعوة إلى الإسلام يأتي الأنصار في بيوتهم ومجالسهم، ويدعوهم إلى الإسلام حتى فشا الإسلام فيهم، وممن أسلم على يديه أسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، وقد جهد في الإسلام جهداً شديداً وعانى خشونة العيش من الجوع والشدة والتعب، حتى قيل: إن جلده كان يتطاير عنه تطاير جلد الحية، شهد غزوة بدر وأحد، وحمل اللواء يومئذ، وقطعت يده اليمنى فحمله في يده اليسرى ثم قطعت اليسرى فضمه بعضديه ثم قتل شهيداً، ولما قتل لم يجدوا ما يكفنونه به إلاثوباً واحداً إذا وضعوه على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعوه على رجليه خرج رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها ممايلي الرأس، واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر، وهو الذي نزل فيه وفي أصحابه قوله تعالى: ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)).
أبو ذر الغفاري
(… ـ 32 هـ)
هو جندب بن جنادة بن عبيد بن سفيان بن حرام بن غفار الغفاري ينتهي نسبه إلى إلياس بن مضر، وكنيته أبو ذر.
ولد في مكة المكرمة وكان يتألّه في جاهليته ولا يعبد الأصنام ويقول: لا إله إلا الله، ولما سمع ببعثة الرسول قدم إلى مكة مع أخيه وقابل الرسول صلى الله عليه وسلم وحياه بتحية الإسلام وهو أول من حياه بها، فبايع الرسول عليه السلام، على أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق ولو كان مراً، وكان إسلامه مبكراً وهو رابع أربعة أو خامس خمسة في الإسلام، فأمره الرسول بالعودة إلى قومه غفار ودعوتهم إلى الإسلام، فعاد إليهم وأسلم على يديه خلق كثير.
وهاجر إلى المدينة في السنة الخامسة الهجرية بعد معركة الخندق، فصحب الرسول صلى الله عليه وسلم وحسنت صحبته، وكان أبو ذر زاهداً في متاع الدنيا كريماً لم يدخر مالاً وكان صادقاً، جريئاً في قول الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان يأخذ نفسه بالعزائم وينتقد الذين يميلون إلى العيش الرخي، وكان يقول: كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، فلست بزائد عليه حتى ألقى الله تعالى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويثني عليه فمن قوله عليه السلام فيه: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) أخرجه أبو داود بسند جيد، وقوله: من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر [كنز العمال (33222)] ، ويروى أن أبا ذر سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الإمارة، فقال له: (إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) فتح الباري 13/126 .
كان أبو ذر عالماً ومن أوعية العلم المبرزين، روى عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت 281 حديثاً في صحيح البخاري ومسلم، وروى عنه جماعة من الصحابة، ثم قال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس، ثم أوكأ عليه ولم يخرج منه شيئاً.
وظل أبو ذر مقيماً في المدينة حتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم فهاجر إلى بادية الشام، ولما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه خرج إلى الشام، وذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد قال له: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها (أي المدينة) ونحا بيده نحو الشام، ولا أرى أمراءك يدعونك، قال: يا رسول الله، أفلا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك؟ قال: لا، قال: فما تأمرني؟ قال: اسمع وأطع ولو لعبد حبشي (دلائل النبوة 6/401). فلما كان ذلك خرج إلى الشام، وأقام في دمشق، وكان بينه وبين والي الشام معاوية بن أبي سفيان اختلاف في الرأي حول بعض الأمور المالية والنفقات، فكتب معاوية إلى الخليفة عثمان بن عفان: إن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام، فطلبه عثمان فقدم عليه، فقال له: كن عندي ونحن نكفل أمرك، فقال: لا حاجة لي بدنياكم، ثم قال: ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة ـ وهي مدينة تبعد عن المدينة المنورة (200)كم ـ فأذن له فخرج إليها وأقام فيها، وليس معه إلا امرأته، وكانت أمة سوداء، وغلام له، ولما حضرته الوفاة بكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكي لأنه لا بد من تجهيزك وليس عندي ثوب يسعك، فقال: لا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصبة من المؤمنين فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، فلم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول لك فإني والله ما كَذبت ولا كُذبت، فأول ركب يمركم فقولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه. (كنز العمال 36893، مسند أحمد 5/155)، فأقبلت قافلة فيها عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق، فقام إليه الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:" تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك" (البيهقي الدلائل 5/222، الحاكم في المستدرك 3/51)، ثم إنهم جهزوه وصلوا عليه ودفنوه في الربذة وحملوا عياله إلى عثمان بن عفان في المدينة فضمهم إلى عياله، وكان ذلك سنة 32هـ.
أبو بكر الصديق
(... ـ 13هـ)
هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن كعب الصديق التيمي القرشي، لقبه الصديق والعتيق.
ولد ونشأ بمكة، وكان سيداً من سادات قريش، محيطاً بأنساب القبائل وأخبارها، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش.
اشتغل بالتجارة، وجمع ثروة كبيرة، وعندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم كان أول من آمن به، وهو رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وثاني اثنين في الغار، أقطعه صلى الله عليه وسلم داراً قرب المسجد النبوي.
شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً، وثبت حين انكشف المسلمون، كما شهد معه المشاهد كلها، وحمل الراية العظمى في غزوة تبوك، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على الحج في أول حجة كانت في الإسلام.
ولما مرض النبي صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، وإذا قام مقامك لم يكن يسمع الناس، قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف))، وعندما شعر صلى الله عليه وسلم بخفة دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه صلى الله عليه وسلم أن قم كما أنت، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً ومقتدياً بأبي بكر. وهذا من التكريم والتشريف له رضي الله عنه.
ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، وثبت أبو بكر، واستطاع أن يردهم إلى صوابهم.
بويع بالخلافة في سقيفة بني ساعدة سنة 11 هجرية، فأنفذ بعث أسامة الذي جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحارب المرتدين والممتنعين عن الزكاة، وافتتحت في أيامه بلاد الشام وقسم كبير من العراق، وأوصى بالخلافة بعده لعمر بن الخطاب.
كان رضي الله عنه إمام المسلمين في صلواتهم، وخطيبهم في الجمع والأعياد والمواسم.
له مناقب عظيمة، ومواقف جليلة، فقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية، وأنفق ماله كله في سبيل الله، واحتمل الشدائد، وقال عنه صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليس من الناس أحدٌ أمنّ علي في نفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، ألا لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)).
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر مقبلين فقال: إن هذين لسيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، كهولهم وشبابهم، إلا النبيين والمرسلين.
له من الأولاد: عبد الله، وأسماء ذات النطاقين، وعبد الرحمن، وعائشة أم المؤمنين، ومحمد، وأم كلثوم رضي الله عنهم أجمعين.
كانت مدة خلافته سنتين وستة أشهر ونصف الشهر، توفي في المدينة في العام الثالث عشر للهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة .